اطلبوا الحب ولو في الصين
هل تخيلتم بعد قراءة العنوان بأني التقيت بشخص وعشت معه قصة حب في الصين؟ لا، فالموضوع أكبر من ذلك بكثير، لأني التقيت شخصيًا برسولة الحب في الصين وبادلتها التحية والسلام. لكن من هي رسولة الحب؟ وهل سيصبح للحب طريق تشد له الرحال إلى أقاصي شرق المعمورة للقاء رسولته؟
أول لقاء
من خلف زجاج بلوري لواجهة أحد محلات الأزهار، كانت تنادي علي بهمس عذب رقيق، زهرة أوركيدا أرجوانية اللون، تغمزني أزهارها كي أقترب أكثر. لم أتردد وأقتنيتها بلهفة عاشقة للجمال وباحثة في الأسرار المختبئة في جعبة النباتات الفريدة. وضعتها فور دخولي إلى البيت على المنضدة الخشبية تحت ضوء الإنارة وبدت كنجمة تتألق تحت أضواء الشهرة. تأملتها بشغف ولهفة المحبين، مالت ساقها على الإناء الزجاجي الشفاف بكثير من الدلال والغنج، توزعت أزهارها الأورجوانية على امتداد الساق وكل زهرة بدت كأنثى شامخة بجمال إبداع الخالق؛ لتعلمني السمو والإرتقاء بالمحبة إلى الأعلى.
أسرار الأوركيدا
بحثت عن أسرارها في الشبكة العنكبوتية، زهرة الأوركيدا تنتمي إلى فصيلة السُحلبيات التي تضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من حيث الأشكال والأحجام والألوان. الصين هو موطنها الأصلي، وأول من كَتب عنها في التاريخ القديم هو الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وأطلق عليها لقب زهرة عطر الملوك، وفسر معنى الحُلم بزهرة الأوركيدا أنه رسالة للحفاظ على الحب.
تفاجئت من الأساطير التي تحيط بالشاي المصنوع من أزهار الأوركيدا على قدرته للمساعدة على الإنجاب ، وتحديد جنس المولود أيضًا. اكتشفت كثافة الحملات البريطانية في العصور القديمة لجمع أوركيدا سُحلب الفانيلا من جزر الإنتيل وجزيرة مدغشقر؛ لأن الموائد الملكية يجب أن تتزين بها فقط. تعرفت على حديقة كيو البريطانية التي يوجد فيها أكبر محمية لأزهار الأوركيدا في العالم. لكن للأسف ظل هذا الجمال محجوز خلف الشاشة الكهربائية، فاقد لمتعة الحواس الخمس.
بعد عدة أشهر، أصابت والدي وعكة صحية ودخل إلى المستشفى لتلقي العلاج. في أحد الليالي وبعد عودتي من المستشفى أجر قدماي بتثاقل، اقتربت من أوركيداتي وتفاجئت من سقوط زهرة من الساق بلا سابق إنذار، لم تكن الزهرة ذابلة أو مُصفرة. كطفلة، أحاول أن أُعيدها وألصقها بالساق، وكأنها دميتي العزيزة التي أصلحها. تعجبت من التزامن الغريب بين مرض والدي وتتابع سقوط زهرة تِلو َالأخرى من الساق الحزينة. في مساء شاحب، تناثرت جميع أزهار الأوركيدا كجثث صرعى على المنضدة الخشبية والضوء الذي توهج فرحًا بها غدى باهتًا ومتراجعًا إلى الخلف بخطوات بطيئة رويدًا رويدًا لينطفئ بلا رجعة. ألقيت برأسي أمامها، وأجهشت بالبكاء عليها وعلى نفسي الحائرة عن تفسير ما يحدث معي؟
في نفس ذلك المساء الحالك، مات والدي … وماتت الأوركيدا.
في حقل الأوركيدا
كرهت زهرة الأوركيدا، وعشت حالة حزن عميقة بعد وفاة والدي، وكلما رأيت الزهرة في واجهة أحد المحلات أشحت وجهي عنها. ضربت جذور الكآبة قلبي ولم أعد قادرة على تذوق الحياة ومعاني الجمال والحب، وأصبحت غريبة عن نفسي التي تاهت في دهاليز الأسى ولم أشعر بالناس التي تُحبني إلى أن سافرت إلى الصين في دورة تدريبية دراسية في جامعة بكين، وهنا بدأت المواجهة الحقيقية مع الأوركيدا في موطنها وفي ديارها حين ذهبت مع صديقتي الصينية في زيارة سريعة إلى جدتها التي تزرع حقلًا كبيرًا من أزهار الأوركيدا في شمال الصين. أصرت الجدة الصينية أن أنزل إلى الحقل واقترب من الأوركيدا، ولكن قلبي كان يقطر ألمًا وبصري لا يطاوعني للنظر نحوها إطلاقًا.
تأمل قلب الأوركيدا
أعطتني الجدة أوركيدا كبيرة بيضاء، وطلبت مني الجلوس على حافة البحيرة لأتأمل بهدوء قلب الزهرة الذي يشبه رأس طائر جميل، حينها غصت داخل روحي واكتشفت أني كنت أهرب من نفسي وليس من الأوركيدا؛ بسبب عدم تقبلي لوفاة والدي، فما ذنب هذه الزهرة الفاتنة… رسولة الحب والجمال. طلبت الجدة الصينية مني أن اتصالح مع قدري واتقبل فقدي لوالدي، حتى تتجلى معاني الأوركيدا السامية في روحي لحب الدنيا من جديد، والتغلب على الصعاب، ونشر الأمل رغم الجراح. مواجهة الحقيقة ونفسي سويًا غي حضرة الأوركيدا لم يكن بالأمر السهل على الإطلاق. أن افتح قلبي للحياة وأمضي في دروبها حتى لا أخسر أحبابي بسبب انغماسي الطويل في حزني وآلامي.
رواية أحلام الأوركيدا
بعد عودتي من رحلة الصين كتبت روايتي الأولى أحلام الأوركيدا ودونت فيها رحلة روح ممزوجة ما بين الواقع والخيال لعالم زهرة الأوركيدا الجميل. فزهرة الأوركيدا هي المرادف الفريد لأعمق معاني الحب لذاتك وللآخرين.
أدعوكم للتحليق في سماء زهرة الأوركيدا وقراءة روايتي أحلام الأوركيدا لتتعلموا منها الحب.
همسة
هل لمست معاني كلماتي شغاف قلوبكم، وأثارت فضولكم للبحث عن أسرار زهرة الأوركيدا ؟
An orchid in adeep forest sends out its fragrance ever if no one is around to appreciate it